02/04/2022 - 21:39

حوار مع هنيدة غانم | إسرائيل ومكانتها الإقليمية... والأبارتهايد

نستطيع القول إن مجموعة المتغيرات التي حصلت، وتقاطعت معا، خلال فترة حكم نتنياهو، أدت إلى أن يكون خطاب اليمين هو الخطاب المهيمن في المجتمع الإسرائيلي، وأقصد الهيمنة بمفهوم غرامشي، بمعنى أنه لا يناقش، فلا نقاش في إسرائيل اليوم على شرعية

حوار مع هنيدة غانم | إسرائيل ومكانتها الإقليمية... والأبارتهايد

مستوطنة "إفرات" (أ ب)

أفاد التقرير الإستراتيجي لمركز مدار للدراسات الإسرائيلية، أنه في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل خلال 2021 في تعزيز مكانتها الإقليمية، وتحسين من علاقاتها مع المستوى الرسمي في الدول الغربية والتعافي من الآثار التي أحدثتها جائحة كورونا خلال العامين السابقين، فقد سجل خطاب منظمات حقوقية دولية وازنة حول إسرائيل ما يمكن اعتباره بمثابة تحول جذري، بالانتقال من وصفها دولة احتلال (وهو وصف يتطرق إلى الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967) إلى وصفها بأنها تقيم نظام أبارتهايد بين النهر والبحر (بما يشمل أراضي 1948) معتبرا هذا التغيير في الخطاب الدولي، مع كل ما يرتبط به من تداعيات، بمنزلة نزع شرعية ليس عن الاحتلال منذ 1967 فحسب؛ وإنما أيضا عن "إسرائيل كدولة يهودية".

وفي المستوى الداخلي أو علاقة العرب مع الدولة أشار التقرير إلى أنه مقابل النزعة الاندماجية التي عكسها انضمام القائمة العربية الموحدة وتعيين عيساوي فريج وزيرا للتعاون الإقليمي وانضمام امرأتين عربيتين لقائمتي ميرتس والعمل، وما يستتبعه ذلك من تصليب للخط الأخضر وتشديد للحدود الفاصلة بن العرب في إسرائيل وبقية الفلسطينيين، عكست "هبة أيار" نزعة مناقضة من "تسييل" للخط الأخضر فلسطينيا وإسرائيليا، وعلى أكثر من مستوى.

فقد تمكنت الأحداث من إذابة (ولو بشكل مؤقت) الخطوط السياسية والجغرافية، وشارك الفلسطينيون في كل أماكن وجودهم فيها وشملت الهبة الكل الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، وانتظمت على أساس قومي واضح، وتصرف الفلسطينيون في التجمعات كافة كجماعة قومية واحدة تتموضع مقابل إسرائيل، كما أسهم انتشار منصات التواصل الاجتماعي في تعميق مشاعر التعاون والشراكة والوحدة.

وأردف التقرير بأن الهبة عكست سيرورات مهمة من حيث الفجوة الكبيرة التي تفصل بين الجيل الشاب والقيادات السياسية، وتراجع دور الأحزاب، وظهرت في المقابل ظاهرة الحراكات كـ"حراك حيفا"، والحراكات القاعدية التي كانت قد انتظمت محليا في مواجهة قضايا كالعنف، كان أكثرها فاعلية "حراك أم الفحم" الذي برز دوره في تنظيم وقفات أسبوعية تطورت بعضها إلى مواجهات ومظاهرات ضخمة شارك فيها الآلاف ضد العنف والإجرام وتواطؤ الشرطة، وتحول رفع العلم الفلسطيني إلى جزء من المشهد الدائم فيها، كما لعبت هذه الحراكات دورا مهما في تنظيم زيارات الدعم للعائلات الفلسطينية المهددة بالطرد والتهجير في حي الشيخ جراح.

على صعيد آخر، أفرزت السياسة الإسرائيلية تجاه القدس، وفقا للتقرير، من حيث فصلها عن باقي الأراضي المحتلة عام 1967 وإعلانها "عاصمة" لإسرائيل نتائج غير مقصودة معاكسة؛ إذ إن القدس تحولت إلى نقطة الوصل بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، وبشكل أساسي تحولت إلى نقطة تواصل بين المقدسيين والداخل، وقد انعكس ذلك في زيارات الدعم المتبادلة خلال الهبة، وصلت ذروتها في نقل القادمين من الداخل بعدما أوقفتهم الشرطة الاسرائيلية وحاولت منعهم من الوصول للقدس.

وعلى الصعيد الإسرائيلي، أورد التقرير، أن الهبة كشفت أيضا عن "تسييل" الخط الأخضر وإعادة تدوير الاستيطان وانتقاله من الاراضي المحتلة عام 1967 مجددا إلى داخل المدن الساحلية المختلطة بشكل خاص، خلال الاستيطان التهويدي الذي تقوم به الجمعيات الاستيطانية عبر "الأنوية التوراتية" في قلب المدن الساحلية المختلطة، وعبر المليشيات المسلحة الاستيطانية التي نقلت نشاطها المليشياوي خلال الهبة من الضفة إلى الداخل، للمشاركة في قمع الفلسطينيين وسط تواطؤ من الأجهزة الرسمية الإسرائيلية.

د. هنيدة غانم

للمزيد حول التقرير والتحولات في المشهد الإسرائيلي كان هذا الحوار مع مديرة مركز مدار، د. هنيدة غانم.

"عرب 48": رغم تعاظم قوتها العسكرية والاقتصادية إسرائيل واجهت دائما مسألة الشرعية، وحتى في الوقت الذي حصلت على هذه الشرعية من المحيط العربي "المعادي" تقليديا، جاءت التقارير الدولية التي تصمها بالفصل العنصري وإقامة نظام أبارتهايد لتنغص فرحة "السلام الإبراهيمي"، وهو ما أشار إليه التقرير؟

غانم: تقرير "مدار" الإستراتيجي يرصد الثغرات التي تحصل بشكل عيني عن الأحداث، والمستجدات ذات البعد التراكمي الإستراتيجي سواء في المستوى القريب أو البعيد، ونحن نراقب المشهد الإسرائيلي منذ سنين طويلة وقراءتنا تأخذ بالاعتبار الفعل التراكمي للأحداث وهي قراءة ترى أن إسرائيل في ظل الحكومة الجديدة وما يسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم" عززت من مكانتها الإقليمية، وهذا الأمر مرتبط أيضا بتفكيك الجيوش العربية التقليدية التي كانت تشكل خطرا عليها في سورية والعراق إلى جانب اتفاقيات السلام مع مصر والأردن.

كذلك فإن انقضاء عهد حكومة نتنياهو وتشكيل ما يسمى بحكومة التغيير ساهم بترتيب وتدفئة علاقات إسرائيل مع الأردن ومصر وتركيا، وهي كلها عوامل تسببت في تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية.

وعلى المستوى الدولي، سمح هذا الوضع الجديد في ترتيب العلاقات الإسرائيلية التي تعثرت مع الجانب الديمقراطي من يهود أميركا، وإعادة موضعة العلاقات الإسرائيلية الأميركية فوق الصراعات الحزبية في الولايات المتحدة.

وأوروبيا أعادت إسرائيل موضعة نفسها في المركز بدلا من الأنظمة الشعبوية لدول الهامش الأوروبي التي حاول نتنياهو من خلالها تجاوز قرار الاتحاد الأوروبي، الذي يؤخذ كما هو معروف بالأغلبية، ونجح نتنياهو عن طريق هذه الدول على غرار هنغاريا واليونان وغيرها أن يتجاوز فرنسا وألمانيا التي تقع في المركز الأوروبي.

ما فعله وزير الخارجية الجديد، يائير لابيد، أنه قام بترميم العلاقة بالمركز الأوروبي، فكسب العالمين، وأعاد ربط إسرائيل بالعالم الديمقراطي الليبرالي الذي تعتز بأنها تنتمي اليه.

"عرب 48": مقابل كل ذلك فإن إسرائيل تواجه تحديا جديدا لشرعيتها يتمثل بتزايد الأصوات العالمية والجمعيات الحقوقية التي تتتهمها بإقامة نظام فصل عنصري - أبارتهايد، كما أشار التقرير؟

غانم: التقرير يرصد صيرورات متناقضة، فمقابل النجاحات الدولية والإقليمية التي تحققها إسرائيل على المستوى الرسمي فإن ما يحصل على المستوى الشعبي مختلف تماما، إذ أن السنوات العشر الأخيرة لحكم نتنياهو أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن وجهة إسرائيل ليست نحو حل الدولتين.

لقد تبدى خلال عهد نتنياهو من خلال الخطاب والسياسات على الأرض ومن خلال القوانين التي جرى تشريعها، أن إسرائيل لا تنوي الذهاب إلى حل الدولتين، وهذا حرك المنظمات الدولية لإجراء تحليل براديغماتي جذري في هذا الخطاب وتوصيف النظام الإسرائيلي بأنه نظام أبارتهايد، سواء في المنطقة الواقعة بين البحر والنهر أو في الأراضي المحتلة عام 1967، نظام اضطهاد وفصل عنصري مثلما يقول تقرير "هيومان رايتس ووتش" وتقرير "أمنيستي" وغيرهما من المنظمات الحقوقية.

هذا ليس مجرد تغيير بسيط إنه تغيير في "البردايم" وهو يمثل بالنسبة لإسرائيل خطرا إستراتيجيا لا يقل عن الخطر النووي الإيراني، فهو بمثابة نزع لشرعية الدولة اليهودية وليس لشرعية الاحتلال فقط، لذلك نرى الهجمة القوية على المنظمات الدولية مثل "أمنيستي" واتهامها باللاسامية من جهة، والهجمة على منظمات فلسطينية كانت قد عملت لإنجاز هذه المهمة وتصنيفها كمنظمات إرهابية. فنحن أمام صيرورات متناقضة، كما أسلفت، والصيرورات المتناقضة تخلق سيناريوهات جديدة.

"عرب 48": كما يبدو فإن المنظمات الحقوقية الدولية كانت تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي كواقع مؤقت، وعندما أدركت أن إسرائيل غير ذاهبة للانسحاب وحل الدولتين، تجلى لها الواقع كما هو - حالة أبارتهايد من البحر إلى النهر؟

غانم: إسرائيل وحتى الجناح اليميني منها ممثلا بالليكود كان يلوح للعالم بحل الدولتين، بغض النظر عما كان يقوم به على الأرض، فنتنياهو في بداية عهده الجديد خرج في الـ2009 بخطاب "بار إيلان" الذي أعرب فيه عن تأييده لحل الدولتين، إلا أن التنكر لحل الدولتين في السنوات الأخيرة من عهد نتنياهو انتقل من الممارسة الهادئة إلى الخطاب أيضا، حتى أنه في أنشأ خطاب "بار إيلان 2" ألغى فيه اعترافه بحل الدولتين، ناهيك عن تشريع سلسلة قوانين منها قانون القومية التي تلغي عمليا هذا الحل.

ونحن نعرف أنه لا يوجد رئيس فلسطيني يمكن أن يقدم التنازلات التي قدمها أبو مازن، فقد ذهب حتى النهاية وبعد ذلك لا يوجد سوى الهاوية، ومع ذلك وجد أن إسرائيل لا تقدم له سوى خطة الضم التي تحدث عنها نتنياهو.

ما أريد أن أوضحه هنا أن نتنياهو وضع اللاءات، لا لدولة فلسطينية، لا للانسحاب من مناطق "ج"، ولا لوقف الاستيطان، والتي تحولت إلى إجماع وعلى أساسها تستمر الحكومة الإسرائيلية بالعمل، بمعنى آخر أن نتنياهو هو من وضع حدود وخطة الحكومة الإسرائيلية الحالية.

"عرب 48": كما أن فترة حكم نتنياهو قزمت إلى أبعد الحدود الأصوات الإسرائيلية التي كانت تنادي بحل الدولتين؟

غانم: نستطيع القول إن مجموعة المتغيرات التي حصلت، وتقاطعت معا، خلال فترة حكم نتنياهو، أدت إلى أن يكون خطاب اليمين هو الخطاب المهيمن في المجتمع الإسرائيلي، وأقصد الهيمنة بمفهوم غرامشي، بمعنى أنه لا يناقش، فلا نقاش في إسرائيل اليوم على شرعية الاستيطان وعلى أن القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة وعلى ضم الأغوار وغيرها من ثوابت خطاب اليمين.

والمؤسف أن القائمة العربية الموحدة دخلت الائتلاف الحكومي، مع وجود بند ينص على نقل الوزارات إلى القدس باعتبارها عاصمة إسرائيل، وهو نص يتعارض مع القانون الدولي وليس فقط مع الحق الفلسطيني.

"عرب 48": في ضوء الإجماع الإسرائيلي، الذي ذكرت، تحت لواء برنامج اليمين، تحول الصراع في الانتخابات الإسرائيلية الذي كانت تحتل القضية الفلسطينية صدارته إلى صراع حول قضايا داخلية محلية؟

غانم: دعني أقول إن القضية الفلسطينية تحولت إلى قضية إسرائيلية داخلية، بمعنى أنه ممنوع عليك أنت أن تتدخل بالقضية الفلسطينية لأنها ليست قضية داخلية فلسطينية بل قضية داخلية إسرائيلية.

تحت هذا السقف هناك تفاوتات، وهناك رؤى مختلفة تنتظم تحت عنوان إدارة الصراع، بين سلام اقتصادي وتقليص الصراع واقتصاد مقابل الأمن غيرها من المسميات، ولكن لا وجود لخطاب يتحدث عن حل دولتين على أساس الرابع من حزيران وتفكيك المستوطنات وحل متفق عليه لمسألة اللاجئين.

وبالتالي نرى سياسي مثل، يائير لابيد، يبدأ حملته الانتخابية من مستوطنة "أريئيل" ونرى رئيس حكومة هو رئيس مجلس الاستيطان السابق، هي حالة جديدة مستجدة تم فيها إعادة صياغة الصراعات القديمة بشكل جديد، ليس حول مواضيع سياسية بل حول قضايا داخلية مجتمعية ترتبط بإعادة نظم الصراع الإثني السابق بين شرقي وغربي على أساس إثني طبقي أيديولوجي.

"عرب 48": ما نعرفه أن المجتمع الإسرائيلي انقسم في الجولات الانتخابية المتتالية الأخيرة، بين مؤيد لنتنياهو ومناهض له؟

غانم: هذا في الظاهر ولكن في العمق هناك صراع بين من يمكن أن نسميهم ورثة المؤسسين وهم "الأشكناز" بصيغة حزب العمل وميرتس، إضافة إلى "يش عتيد" و"كحول لفان" واليمين الليبرالي الديني، هؤلاء هم ورثة جيل المؤسسين الذين أسماهم باروخ كيميرلينج "أحوسليم"، وهم ينتظمون تحت أيديولوجيا يمينية وسطية مؤسساتية وبين الشرقيين والحريديين و"الحردليم" الذين ينتظمون تحت أيديولوجيا يمينية شعبوية، والحقيقة أن هذا كله غسيل لغوي لصراع أعمق يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي ويعيد إنتاج نفسه بأشكال جديدة.

"عرب 48": لعل إسقاط القضية الفلسطينية من الأجندة الانتخابية الإسرائيلية هو ما زين لـ"خطاب التأثير" المدني الذي ابتدأ بتوصية المشتركة على غانتس وانتهى إلى دخول الموحدة للائتلاف الحكومي؟

غانم: هناك فرق بين توصية المشتركة على غانتس ودخول الموحدة للائتلاف الحكومي، ونحن ركزنا في التقرير على دخول الموحدة لأنه اعتبر تغيير في قواعد اللعبة، ولأنه لأول مرة يتم إدخال قائمة عربية للائتلاف الحكومي في إسرائيل، قائمة غير مرتبطة بالأحزاب الصهيونية وهذا بدون شك يشكل تغييرا، ولكن نحن نقول إن هذا التغيير تكتيكي وليس إستراتيجيا، لأنه في اللحظة الذي يبتعد فيها نتنياهو عن المشهد السياسي ستتشكل حكومة من 78 عضو كنيست يميني ويصبح دخول الموحدة جزءا من التاريخ.

التغيير الإستراتيجي، بنظرنا، حدث في الطرف العربي لأنه لأول مرة يقوم حزب عربي غير صهيوني أو مرتبط بالأحزاب الصهيونية ويقول أنا أستطيع الفصل بين القومي والمدني، علما أن ما حدث هو مقايضة وليس فصلا، مقايضة القضية الوطنية بقضايا مدنية أو بفتات الميزانيات.

التعليقات